فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {إِذَا مَا اتقوا}: ظرفٌ منصوبٌ بما يُفْهَمُ من الجملة السابقة، وهي: {لَيْسَ} وما في حَيِّزها، والتقدير: لا يَأثَمُونَ، ولا يُؤاخَذُونَ وقْتَ اتِّقائهم، ويجوزُ أن يكون ظَرْفًا محْضًا، وأن يكونَ فيه معنى الشرط، وجوابه محذوفٌ، أو متقدِّمٌ على ما مَرَّ. اهـ.

.تفسير الآية رقم (94):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر ما حرم من الطعام في كل حال، وكان الصيد ممن حرم في بعض الأوقات، وكان من أمثل مطعوماتهم، وكان قد ذكر لهم بعض أحكامه عقب قوله: {أحلت لكم بهيمة الأنعام} {وأحل لكم الطيبات} أخذ هنا في ذكر شيء من أحكامه، وابتدأها- لأنهم خافوا على من مات منهم على شرب الخمر قبل تحريمها بأنه يبتليهم لتمييز الورع منهم من غيره- بالصيد في الحال التي حرمه عليهم فيها كما ابتلى إسرائيل في السبت، فكان ذلك سببًا لجعلهم قردة، ومنَّ سبحانه على الصحابة من هذه الأمة بالعصمة عند بلواهم بيانًا لفضلهم على من سواهم، فقال تعالى مناديًا لهم بما يكفّهم ذكره عن المخالفة: {يا أيها الذين آمنوا} أي أوقعوا الإيمان ولو على أدنى وجوهه، فعم بذلك العالي والداني {ليبلونكم الله} أي يعاملكم معاملة المختبر في قبولكم تحريم الخمر وغيره المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا، وذكر الاسم الأعظم إشارة بالتذكير بما له من الجلال إلى أن له أن يفعل ما يشاء، وأشار إلى تحقير البلوى تسكينًا للنفوس بقوله: {بشيء من الصيد} أي الصيد في البر في الإحرام، وهو ملتفت إلى قوله: {هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله} [المائدة: 60] وشارح لما ذكر أول السورة في قوله: {غير محلي الصيد وأنتم حرم}، وما ذكر بعد المحرمات من قوله: {فكلوا مما أمسكن عليكم}[المائدة: 4]، ووصف المبتلى به بوصف هو من أعلام النبوة فقال: {تناله أيديكم} أي إن أردتم أخذه سالمًا {ورماحكم} إن أردتم قتله، ثم ذكر المراد من ذلك وهو إقامة الحجة على ما يتعارفه العباد بينهم فقال: {ليعلم الله} أي وهو الغني عن ذلك بما له من صفات الكمال التي لا خفاء بها عند أحد يعلم هذا الاسم الأعظم {من يخافه بالغيب} أي بما حجب به من هذه الحياة الدنيا التي حجبتهم عن أن يعرفوه حق معرفته سبحانه، والمعنى أنه يخرج بالامتحان ما كان من أفعال العباد في عالم الغيب إلى عالم الشهادة، فيصير تعلق العلم به تعلقًا شهوديًا كما كان تعلقًا غيبيًا لتقوم بذلك الحجة على الفاعل في مجاري عاداتهم، ويزداد من له اطلاع على اللوح المحفوظ من الملائكة إيمانًا ويقينًا وعرفانًا، وقد حقق سبحانه معنى هذه الآية فابتلاهم بذلك عام الحديبية حتى كان يغشاهم الصيد في رحالهم ويمكنهم أخذه بأيديهم.
ولما كان هذا زاجرًا في العادة عن التعرض لما وقعت البلوى به وحاسمًا للطمع فيه بمن اتسم بما جعل محط النداء من الإيمان، سبب عنه قوله: {فمن اعتدى} أي كلف نفسه مجاوزة الحد في التعرض له؛ ولما كان سبحانه يقبل التوبة عن عباده، خص الوعيد بمن استغرق الزمان بالاعتداء فأسقط الجار لذلك فقال: {بعد ذلك} أي الزجر العظيم {فله عذاب أليم} بما التذَّ من تعرضه إليه لما عرف بالميل إلى هذا أنه إلى ما هو أشهى منه كالخمر وما معها أميل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا نوع آخر من الأحكام، ووجه النظم أنه تعالى كما قال: {لاَ تُحَرّمُواْ طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ} [المائدة: 87] ثم استثنى الخمر والميسر عن ذلك، فكذلك استثنى هذا النوع من الصيد عن المحللات، وبين دخوله في المحرمات. اهـ.

.قال ابن عاشور:

لا أحسب هذه الآية إلاّ تبيينًا لقوله في صدر السورة {غير محلّى الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 1]، وتخلُّصًا لحكم قتل الصيد في حالة الإحرام، وتمهيدًا لقوله: {يا أيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95] جرَّتْ إلى هذا التخلّص مناسبة ذكر المحرّمات من الخمر والميسر وما عطف عليهما؛ فخاطب الله المؤمنين بتنبيههم إلى حالة قد يسبق فيها حرصُهم، حذَرَهم وشهوتُهم تقواهم.
وهي حالة ابتلاء وتمحيص، يَظهر بها في الوجود اختلاف تمسّكهم بوصايا الله تعالى، وهي حالة لم تقع وقت نزول هذه الآية، لأنّ قوله: {ليبلونّكم} ظاهر في الاستقبال، لأنّ نون التوكيد لا تدخل على المضارع في جواب القسم إلاّ وهو بمعنى المستقبل.
والظاهر أنّ حكم إصابة الصيد في حالة الإحرام أو في أرض الحرم لم يكن مقرّرًا بمثل هذا.
وقد روي عن مقاتل: أنّ المسلمين في عمرة الحديبية غشيَهم صيد كثير في طريقهم، فصار يترامى على رحالهم وخيامهم، فمنهم المُحِلّ ومنهم المُحرِم، وكانوا يقدرون على أخذه بالأيدي، وصيد بعضه بالرماح.
ولم يكونوا رأوا الصيد كذلك قط، فاختلفت أحوالهم في الإقدَام على إمساكه.
فمنهم من أخذ بيده وطعن برمحه.
فنزلت هذه الآية اهـ.
وقال ابن عاشور:
فلعلّ هذه الآية ألحقت بسورة المائدة إلحاقًا، لتكون تذكرة لهم في عام حجّة الوداع ليحذروا مثلَ ما حلّ بهم يوم الحديبية.
وكانوا في حجّة الوداع أحْوج إلى التحذير والبيان، لكثرة عدد المسلمين عام حجّة الوداع وكثرة من فيهم من الأعراب، فذلك يبيّن معنى قوله: {تناله أيديكم ورماحكم} لإشعار قوله: {تناله} بأنّ ذلك في مكنتهم وبسهولة الأخذ. اهـ.

.قال الفخر:

قال مقاتل بن حيّان: ابتلاهم الله بالصيد وهم محرمون عام الحديبية حتى كانت الوحش والطير تغشاهم في رحالهم، فيقدرون على أخذها بالأيدي، وصيدها بالرماح، وما رأوا مثل ذلك قط، فنهاهم الله عنها ابتلاءً.
قال الواحدي: الذي تناله الأيدي من الصيد، الفراخ والبيض وصغار الوحش، والذي تناله الرماح الكبار، وقال بعضهم: هذا غير جائز، لأن الصيد اسم للمتوحش الممتنع دون ما لم يمتنع. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ الله} جواب قسم محذوف أي والله ليعاملنكم معاملة من يختبركم ليتعرف حالكم {بِشيء مّنَ الصيد} أي مصيد البر كما قال الكلبي مأكولًا كان أو غير ماكول ما عدا المستثنيات كما سيأتي إن شاء الله تعالى فاللام للعهد.
والآية كما أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل نزلت في عمرة الحديبية حيث ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم محرمون فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم وكانوا متمكنين من صيدها أخذًا بأيديهم وطعنًا برماحهم وذلك قوله تعالى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ورماحكم} فهموا بأخذها فنزلت.
وعن ابن عباس ومجاهد وهو المروي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أن الذي تناله الأيدي فراخ الطير وصغار الوحش والبيض والذي تناله الرماح الكبار من الصيد.
واختار الجبائي أن المراد بما تناله الأيدي والرماح صيد الحرم مطلقًا لأنه كيفما كان يأنس بالناس ولا ينفر منهم كما ينفر في الحل، وقيل: ما تناله الأيدي ما يتأتى ذبحه وما تناله الرماح ما لا يتأتى ذبحه، وقيل: المراد بذلك ما قرب وما بعد، وذكر ابن عطية أن الظاهر أنه سبحانه خص الأيدي بالذكر لأنها أعظم تصرفًا في الاصطياد وفيها يدخل الجوارح والحبالات وما عمل بالأيدي من فخاخ وأشباك.
وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم ما يجرح به الصيد ويدخل فيها السهم ونحوه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

الخطاب للمؤمنين، وهو مجمل بيّنه قوله عقبه {يا أيّها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم} [المائدة: 95].
قال أبو بكر بن العربي: اختلف العلماء في المخاطب بهذه الآية على قولين: أحدهما: أنّهم المحلّون، قاله مالك، الثاني: أنّهم المحرمون، قاله ابن عباس وغيره اهـ.
وقال ابن عاشور:
وقال في «القبس»: تَوهّم بعض الناس أنّ المراد بالآية تحريم الصيد في حال الإحرام، وهذه عُضْلة، إنّما المراد به الابتلاء في حالتي الحلّ والحرمة اهـ.
ومرجع هذا الاختلاف النظر في شمول الآية لحكم ما يصطاده الحلال من صيد الحرم وعدم شمولها بحيث لا يحتاج في إثبات حكمه إلى دليل آخر أو يحتاج.
قال ابن العربي في «الأحكام»: «إنّ قوله: {ليبلونّكم} الذي يقتضي أنّ التكليف يتحقّق في المُحِلّ بما شرط له من أمور الصيد وما شرط له من كيفية الاصطياد.
والتكليف كلّه ابتلاء وإن تفاضل في القلّة والكثرة وتبايَن في الضعف والشدّة»
.
يريد أنّ قوله: {ليبلونّكم الله بشيء من الصيد} لا يراد به الإصابة ببلوى، أي مصيبة قتل الصيد المحرّم بل يراد ليكلفنّكم الله ببعض أحوال الصيد.
وهذا ينظر إلى أنّ قوله تعالى: {وأنتم حرم} [المائدة: 95] شامل لحالة الإحراممِ والحلوللِ في الحرم.
وقوله: {ليبلونّكم الله بشيء من الصيد} هو ابتلاء تكليف ونهي، كما دلّ عليه تعلّقه بأمر ممّا يفعل، فهو ليس كالابتلاء في قوله: {ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع} [البقرة: 155] وإنّما أخبرهم بهذا على وجه التحذير.
فالخبر مستعمل في معناه ولازم معناه، وهو التحذير.
ويتعيّن أن يكون هذا الخطاب وُجّه إليهم في حين تردّدهم بين إمساك الصيد وأكله، وبين مراعاة حرمة الإحرام، إذ كانوا مُحرمين بعمرة في الحديبية وقد تردّدوا فيما يفعلون، أي أنّ ما كان عليه الناس من حِرمة إصابة الصيد للمُحْرِم معتدّ به في الإسلام أو غير معتدّ به.
فالابتلاء مستقبل لأنّه لا يتحقّق معنى الابتلاء إلاّ من بعد النهي والتحذير.
ووجود نون التوكيد يعيّن المضارع للاستقبال، فالمستقبل هو الابتلاء.
وأمّا الصيد ونوال الأيدي والرماح فهو حَاضر.
والصيد: المصيد، لأنّ قوله من الصيد وقع بيانًا لقوله: {بشيء}. اهـ.